taswwg

مدونة متخصصة | في مجال التسويق الرقمي | وجميع مجالاته الأفلييت ماركتنج , الدروبشيبنج , التجارة الإلكترونية.

LightBlog

اخبار عاجلة

رمضانيات (7 ) بين لغة ( الصوم ) و ( الصيام ) قراءة بين السطح والباطن:




🖋 أ- زهير برك الهويمل


          حينما يُتهم إنسانٌ بتهمة أحوج ما يحتاج إليه الدفاع عن نفسه لدرء تلك التهمة عنه, وليس كمثل اللسان أداة للدفاع عن النفس لدفع التهم, تصوّر وأنت في هذا الموضع يأتيك الأمر بالامتناع عن الكلام, بل وتشير للمجتمع من حولك أنك لا تستطيع الكلام, بلا أدنى شك فإنّ ذلك سيكون تثبيتا لإقامة تلك التهم عليك, آنئذٍ يكون الصبر وسيلة تتطّلب إيمانا راسخًا حتى تسلكه فتمسك عن الكلام, أو بتعبير قرآني ( تصوم ) عن الكلام, فالتعبير القرآني لهذا السكوت بقوله : " إني نذرت للرحمن صوما", حين جعل السكوت ( صومًا ) إنمّا هو تجسيد لما في الصوم من قدرة على تحمّل الامتناع عن الكلام.

    فكيف إذا كان الممنوع فتاة عذراء جاءت تحمل طفلا بين ذراعيها, وهي لمّا تتزوج بعد؟!لا شكّ إن هذا الصبر هو ابتلاءٌ عظيم لأنّه يمس الشرف, لذا تمنت الموت قبل مجيء هذا اليوم, وأن تكون نسيا منسيا, وقبل تلقي تهم كهذه : ( ما كان أبوك امرأ سوء ) + ( ما كانت أمك بغيًّا ), لكن مثل ما للصائم فرحتان عند فطره وعند لقاء ربه, على قدر الصبر على الصوم تكون الفرحة, وفرحة بعد هذا الابتلاء لابُدّ أن تدحر التهم أولا : " فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيًّا " وتكون الجائزة ثانيا في المقام والمنزلة التي تتمثلها هذه المعجزة الربانية : " قال إني عبدالله آتاني الكتاب وجعلني نبيّا * وجعلني مباركا أينما كنت , ......" 

وكأنّ النص القرآني يقول : إنّ هذه العطاءات الجزال, تتطلب تقرّبا وشكرا إلى الله, وعلى قدر العطاء والهبات يكون الشكر بالصبر والابتلاء, وأي ابتلاء فوق ما ذكر؟! لذا استحق التعبير عنه بـ ( الصوم ), ولم ترد لفظة الصوم بصيغة المصدر في النص القرآني بغير هذا الموضع, والذي يعني السكوت.

ثمة حدث مشابهٌ لهذا الحدث وردت قصته في السورة ذاتها ( مريم ), بل افتتحت به السورة : " ذكر رحمة ربك عبده زكريا ....."

دعا زكريا ربّه طالبًا الولد, مع وجود علتين مانعتين في الحالة الطبيعية من الإنجاب, هما أولا: أنه صار شيخًا كبيرا, ثانيا: أن امرأته عاقر لا تلد, فمنحه الله عطاءين ردًّا على المانعين, عطاء الولد ردًّا على أن امرأته عاقر, والعطاء الثاني أن الله أسماه ردا على أنه شيخ كبير فالاسم مرتبط بالأب في النسب, فشعر زكريا أنّ هذه النعمة تحتاج شكرا يقربه إلى الله : " قال ربُّ اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم النّاس ثلاث ليالٍ سويًّا ", فلم يسمّه صومًا لأنّه شكر أكثر منه ابتلاء, ولأنّ زكريا هو طالب هذا الشكر فامتدّ ثلاث ليالٍ , بينما كان صوم مريم يوما واحدا, بأمر ربّاني : " ....فقولي إني نذرت للرحمن صومًا فلن أكلّم اليوم إنسيًّا "

ممّا تقدم تبين أنّ مصدر ( الصوم ) في النص القرآني دلّ على الامتناع عن الكلام, أي الامتناع عن حدث معنويٍّ وجهته الحدثية خارجة من تكوين الصائم ـ لأنّ المحيط الخارج يطلبها ـ على النقيض تماما من دلالة ( الصيام ) : الامتناع عن الطعام والشراب وجميع المفطرات, إذ وجهته فيها تمتنع عن الداخل الحسيّ إلى تكوين الطرف الصائم, فيتغلّب الشق الوجداني الروحاني لدى الصائم ويظهر على سطح تكوينه القريب من المحيط الاجتماعي فيكون الأثر المتبادل مع الخارج روحانيا نقيا هو الشق الغالب على تكوين الصائم لحظة الصوم, ومنه يمكن عدّ هذا السلوك الروحاني كما سمّاه النص القرآني في مقام آخر, ونسق مغاير ( لباس الجوع ), أثر الجوع المستبطن حين يتسطّح يُضحي سلوكا خارجيا يرسم ملامح المؤمن المهذَّب بالصيام و أثره في المجتمع . 

في الأخير تناسب المصدر ( صوم ), مع الإمساك عن الكلام في قلة عدد حروفه المتجهة نحو السكوت, بينما انطلق المصدر ( صيام ) بانطلاق و امتداد الحروف التي زاد من مدّ مداها ـ فوق الحرف الزائد ـ توالي الياء والألف فأعطت الحدث حركة يستحيل بها المادّيّ معنويًّا من جهة امتناع كلّ الداخل المادي الكثير ( الأكل والشرب ...), واستحالته إلى سلوك نقيّ روحانيّ هي حالة الصائم التي يتبدّى عليها في نهار رمضان.